القصة الكاملة لمحاولة إنقلاب رفعت الأسد على شقيقه الرئيس حافظ الأسد كما رواها العماد مصطفى طلاس في مذكراته
كانت توجيهات القائد الأسد واضحة وضوح الشمس: لا مهادنة أبداً مع الخارجين على النظام.. إضربهم اليوم قبل الغد، لأننا كلما تأخرنا بضربهم وتصفية الحسابات
معهم كلما ازدادوا شططاً في أعمالهم وتصرفاتهم وتمادوا في إيذاء الناس والمواطنين وأعطوا العالم العربي والخارجي فكرة مغلوطة عن واقع الحال في سورية..
اتصلت بقائد القوى البحرية اللواء "فضل حسين" وقلت له: عليك أن تنذر المتمردين في معسكر سرايا الدفاع بالاستسلام خلال ساعة واحدة، وبعد ذلك إذا لم يستجيبوا عليك أن تضربهم بالمدفعية الساحلية وأن تحرك باتجاههم كتيبة المشاة البحرية مدعومة بالفوج (826) دبابات، كما طلبت إليه أن يحرك كاسحتي ألغام وستة زوارق صواريخ وأن يتم الرمي على المتمردين بالمدافع المضادة للطائرات (رمي مباشر) وأن يتم تقرب هذه القوات إلى الساحل لضربهم بقذائف الأعماق (المضادة للغواصات) وبالأسلحة الرشاشة الثقيلة المضادة للطائرات والمركبة على زوارق الصواريخ.
وعندما لاحظت عليه أمارات التردد والنذالة وعدم الحسمية أكدت عليه بأنني أعطي الأوامر نيابة عن القائد العام وإذا كان غير قادر على تنفيذ المهمة فنحن جاهزون لإرسال فوج مغاوير (إنزال جوي) ليتكفل بتصفية المتمردين, وأعطيته الأمر أنه بعد ساعة واحدة تنتهي مهلة الإنذار وعليه أن يبدأ بقصف المعسكر بالمدفعية.
وبعد ساعة من هذا الأمر اتصلت بقائد القوى البحرية وقلت له: هل بدأت الرمي..
فقال لي: لقد رشقناهم رشقة ونحن الآن نحصي خسائرهم.
وتيقنت من لهجته أنه كذاب (25) ومراوغ وغير جدي في معالجة الموضوع.. وخائف.. قلت له أين المقدم علي خضور قائد الفوج المدرع؟..
فقال لي: إنه بجانبي..
وطلبته على الهاتف وقلت له: اصعد بنفسك على أول دبابة في الفوج واطلب إلى الرماة أن يسددوا مدافعهم على العربات المصفحة (ب.م.ب) التي يضعها المتمردون على مدخل المعسكر وتدمّرها تماماً بصلية تركيز من سرية دبابات, أي أريد أن ترمي عشر دبابات بآن واحد.
وكانت غايتي الأساسية إحداث صدمة معنوية ضد القوى المناوئة, وبعد دقائق نفذ الأمر وتم تدمير ثلاث ناقلات وجرى إخلاء القتلى والجرحى, واستنجد العميد رفعت متوسلاً الرئيس الأسد بأن نوقف النار لأنه قرر أن يخلي المعسكر وينفذ تعليمات القيادة العامة.
وهكذا تم حسم المشكلة في المنطقة الساحلية وتم استرداد المعسكر وعادت العناصر التابعة لسرايا الدفاع إلى دمشق.
ولا بد من إعلام القارئ عن جو إحدى المناقشات التي جرت في القيادة العامة بعد الاشتباك مباشرة..
قال العماد حكمت الشهابي وأيده في ذلك العماد علي أصلان: بعد أن رجع إلى حمص وطرابلس أكثر من خمسمائة سيارة أصبحت المشكلة مكشوفة للناس جميعاً ولا نستطيع بعد اليوم أن نتستر عليها..
وكان جوابي: لن تقدم أي وكالة أنباء على إذاعة هذا الخبر إطلاقاً وذلك لسببين:
الأول: أن وكالات الأنباء الغربية والموجهة من أمريكا لن تذيع النبأ لأنه يبرز انتصار الرئيس الأسد وهم لا يرغبون بذلك.
الثاني: وكالات الأنباء التي تدور في فلك موسكو لن تذيع هي الأخرى هذا النبأ حتى لا تسبب لنا أي إحراج لأننا نحن لم نقم بإذاعته.
وصدقت نبوءتي ولم تقم أية وكالة أنباء أو صحافة أجنبية بإذاعة هذا النبأ, بما في ذلك الصحف اللبنانية المحسوبة على الخط الأمريكي.
تزامنات تدل على أن المعلم واحد
كان من أبرز خصائص هذه الأزمة العاصفة أن يتزامن تصعيد الموقف العسكري من قبل العميد رفعت كلما زارنا الرئيس اللبناني (أمين الجميل).. ومع أن السياسيين في لبنان عامة لا يحبون أبداً قطع شعرة معاوية مع أمريكا ولكن المنتسبين منهم إلى حزب الكتائب اللبنانية وعلى رأسهم ((أمين الجميل)) يعتبرون الولاء لأمريكا قضية مقدسة لا يعلو عليها شيء. ومع أنهم يزعمون أن فرنسا هي أمهم الحنون ولكنهم كاذبون لأن عينهم دائماً على أمريكا. وخلال ثلاثة شهور ونيف من عمر الأزمة زارنا الرئيس اللبناني ثلاث مرات ولم يحدث في تاريخ العلاقات المميزة مع أي دولة في العالم أن يقوم رئيسها بزيارة بلد آخر بمثل هذه الكثافة, وهذا ما يؤكد أن الزيارات كانت تتم بإيحاء وتوجيه من الإدارة الأمريكية, ولأن أمريكا تعرف ما يدور في سرايا الدفاع عن طريق عميلها ((النقيب جوزيف صنصيل)) ولكنها تجهل تماماً ما يجري في دائرة الرئيس الأسد, ومن هنا جاء الطلب إلى الرئيس ((أمين الجميل)) بأن يشد الرحال إلى دمشق ليعرف ماذا يدور خلف الأكمة..
وللأمانة التاريخية كان الرئيس الأسد يتمتع بموهبة خارقة في إخفاء نواياه على خصومه. ومع أنه لم يلعب ((البوكر)) ولا مرة واحدة في حياته فإن وجهه بالنسبة لمن يقابله, وبخاصة من المحسوبين على أمريكا أو الدائرين في فلكها, يبدو كوجه لاعب ((البوكر)) لا يمكن لأحد أن يأخذ منه شيئاً لا بحق ولا بباطل. وهكذا كانت التقارير ترسل إلى واشنطن وكلها تشير إلى أن الرئيس الأسد في أحسن حالاته.. وخاب فأل الإدارة الأمريكية وأهدافها الخبيثة.
تمت القصة بحمد الله