هل ينجح الرد السوري في لجم إسرائيل وكفها عن إطلاق تهديداتها؟ أو يتطور
الخطاب السوري "الحربي" الذي أطلقه وزير الخارجية وليد المعلم ردا على تلك
التهديدات الى الدفاع "ميدانيا" عن المقاومة في غزة بعد "تبني" الدفاع عن
مقاومة حزب الله في لبنان؟.
تقول مصادر عسكرية معنية إن القرار السوري قد اتخذ منذ ما بعد حرب العام
2006 على لبنان بدعم حركات المقاومة في المنطقة وليس في لبنان فقط، وهذا
القرار كان النتاج الفعلي لإرادة العزل الدولية التي حاولت الضغط عل سوريا
من أجل السير في مشروع الشرق الأوسط الذي تبنته إدارة الرئيس الأميركي
السابق جورج بوش ولم تنجح في فرضه بفعل الرفض السوري و"روافده" في لبنان
وفلسطين امتدادا الى الجمهورية الإسلامية في إيران، مشيرة الى أن كلام
المعلم شكل "الإعلان الرسمي السوري" عن نية المواجهة، بعد أن كان الرئيس
بشار الأسد قد عبر قبل ذلك عن إدخال النموذج "المقاوم" الذي أثبت نجاح
تجربته في 2006 الى قوى الجيش السوري الذي تدرب بشكل فعلي على اعتماده في
خوضه لأية عمليات عسكرية مقبلة إن في حالات الدفاع أو حتى في استراتيجيات
الهجوم التي قد ينفذها عند اندلاع اية مواجهات على الجبهة السورية
الإسرائيلية.
وتضيف المصادر أن جهودا مشتركة سورية - لبنانية - إيرانية أثمرت في تخريج
فرق بكاملها جاهزة لخوض حرب طويلة الأمد معتمدة على اقل الإمكانيات بالرغم
من توفرها بشكل كبير، مشيرة الى أن ما قاله وزير الخارجية السوري ما كان
ليصدر لولا وثوق سوريا من وصولها الى هذا الحد من الجهوزية، وهو بالطبع ما
تعرفه إسرائيل جيدا، وهذا الأمر بالتحديد ما أثار حفيظة المسؤولين
الإسرائيليين الذين سارعوا للرد في جو مرتبك ومتباين بين التصعيد والسعي
الى تهدئة الموقف بعد سلسة التهديدات التي اطلقوها في الفترة الأخيرة في
كل الاتجاهات وصولا الى دمشق التي لم ترد سابقا حتى على بعض الإعتداءات
التي شنها الطيران الحربي الإسرائيلي، كتلك التي حصلت على قرية "عين
الصاحب" عام 2003 وكسرت محرمات استمرت لأكثر من 30 عاما منذ فك الاشتباك
بين سوريا والكيان الصهيوني، أو كالغارة التي نفذتها اسرائيل في عام 2007
على موقع "الكبر" قرب مدينة "دير الزور" في سوريا والتي زعمت اسرائيل أنه
"موقع نووي عسكري".
ورأت المصادر العسكرية نفسها أن تلك الاعتداءات لم تعتبر في حينها نقطة
تحول حاسم في مجريات الحالة التي تتلبس المنطقة على شكل غير مسبوق، وإنما
ما يعتبر تحولا حاسما هو الموقف السوري الأخير الذي بنت عليه تل ابيب بشكل
كبير، ما سيجعلها فعلا تعيد حساباتها واحتساب اعداد الصواريخ التي تعدها
على حزب الله في لبنان، لتحصل على النتيجة الواقعية في الربح والخسارة إذا
ما أرادت أن تقدم على اي فعل عدواني جديد ضد لبنان أو سوريا أو على غزة،
باعتبارها النقطة الأضعف في الحسابات العسكرية الإسرائيلية. لكن ما تجهله
إسرائيل أن غزة قد دخلت في الحسابات السياسية والعسكرية مرة أخرى بعد
الحرب التي شنتها إسرائيل عليها مطلع العام الماضي، وأنه لم يعد أمامها من
مجال لشن الحروب المنفردة أو ما يعرف بتجزئة الحرب التي اعتُمدت في
المرحلة السابقة واعتُبرت طريق الذهاب نحو تحقيق إنجاز إقليمي بالتزامن مع
الغزو الأميركي للعراق. وهذا ما ستظهره الفترة المقبلة وفق برنامج سياسي
وعسكري أُعِدّ بعناية لهذه الغاية.
أما عن التوقيت الذي اختارته سوريا للإعلان عن نواياها الحربية، فيعود
بحسب معلومات المصادر العسكرية المعنية المستقاة من اخرى ديبلوماسية، الى
ما تبلغته من وزير الخارجية الإسباني "ميغيل أنخيل موراتينوس" من أن
إسرائيل قد أعدت العدة لشن حرب على حزب الله، وأن سوريا لن تبقى خارج
دائرة الخطر باعتبارها ممرا "آمنا" للسلاح الذي يُهرّب لحزب الله، ما يخل
بالتوازن الإستراتيجي في المنطقة لا سيما أن الحزب ليس دولة يمكن الوثوق
بقراراتها أو ضبط إيقاعه على الوتيرة السياسية المتعارف عليها والسائدة
منذ زمن بعيد بين إسرائيل والدول العربية، خصوصا تلك التي تشكل "طوقاً"
حول الدولة العبرية، الأمر الذي استفز دمشق وجعلها تطلق تلك التصريحات
النارية امام مورايتنوس نفسه لإبلاغه رسالة واضحة وغير ملتبسة، مفادها أن
موقف سوريا ثابت ولا مجال للمساومة عليه وهي ماضية فيه الى النهاية، وأن
السلاح الذي يُصدّر الى حزب الله لا يعتبر بالنسبة اليها تهريبا، ولا هي
تخجل به، وأنه جزء من سياستها ومن منظومتها الدفاعية في غياب الفرص
الحقيقية للسلام والتبجح بالنوايا العدوانية لتل ابيب التي لا تنفك تهدد
وتتوعد في كل زمان ومكان.